العالم الإسلامي 

العهد الإسلامي للعمل المشترك

صادر عن الملتقى العالمي الأول للعلماء المسلمين

رابطة العالم الإسلامي مكة المكرمة

5/ ربيع الأول 1427هـ الموافق 3/ أبريل 2006م

 

 

 

 

حرصًا من أعضاء الملتقى العالمي الأول للعلماء المسلمين على وحدة الأمة الإسلامية وترسيخًا للعمل الإسلامي المشترك، ونهوضًا بما يفرضه عليهم دينهم، ومشاركة منهم قادة الأمة الإسلامية الذين دعوا في مؤتمر القمة الإسلامية الاستثنائي بمكة المكرمة في شهر ذي القعدة من عام 1426هـ لمعالجة التفرق في صفوف المسلمين ، وسعيًا للعمل على ما يحقق وحدة الأمة الإسلامية، فقد أصدروا العهد الإسلامي للعمل المشترك بين العلماء المسلمين، أملاً في تحقيق الآمال المنوطة بهم وفيما يلي نص العهد:

       الحمد لله رب العالمين، الذي وصف أولي الألباب من عباده بقوله الحق: (الَّذِيْنَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) (الرعد:20).

       والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وعلى آله وصحبه. أما بعد:

       فإن العلماء المسلمين الذين اجتمعوا في ملتقاهم الأول، بجوار بيت الله العتيق في مكة المكرمة أشرف بقاع الأرض، استعرضوا أوضاع الأمة الإسلامية والتحديات التي تواجهها، وتدارسوا البيان الختامي وبلاغ مكة المكرمة الصادرين عن مؤتمر القمة الإسلامية الاستثنائي الذي دعا إليه ورعاه خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في شهر ذي القعدة من عام 1426هـ .

       يعاهدون الله سبحانه وتعالى على حمل أمانة الإسلام، والإخلاص في أدائها، والتعاون في تحقيق أهدافها التي توحد ولا تفرق، مدركين واجباتهم في تحمل أعباء الهداية للأجيال، وتصحيح الأخطاء في المجتمعات الإسلامية، وفق نهج نبي الأمة وهاديها محمد : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا) (الأحزاب:21).

       ويستلهمون مهامهم لإنجاز هذا العهد من التكليف الإلهي: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عِنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104).

       ويستشعرون مسؤولياتهم أمام الله سبحانه وتعالى ثم أمام أجيال الأمة الإسلامية المتعاقبة لمواصلة الدعوة إلى الله على بصيرة، في مرحلة حرجة، كثرت فيها التحديات، واضطربت خلالها العديد من المفاهيم، وانصرفت فئات من أبناء المسلمين عن حقيقة الإسلام، وجنحت فئات أخرى عن عدله ووسطيته، إفراطاً أو تفريطاً.

       وفي هذا يؤكد المشاركون في الملتقى أن الإسلام يوجب على المسلمين إتباع المنهج الوسطي، ونبذ الغلو والتطرف، واتخاذ موقف معتدل،وفق ما ارتضاه الله – عز وجل – لهم في قوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَّسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة:143) ويؤكدون على أن التمسك بالقيم الخلقية في الإسلام كان سببًا في استمرار الدعوة وانتشارها بين الناس على اختلاف بلدانهم وألوانهم وألسنتهم وأجناسهم، وصدق الله سبحانه في وصف رسوله بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيْمٍ) (القلم:4).

       ومن منطلق هذا الخلق الإسلامي لنبي الرحمة، فإن المشاركين في هذا الملتقى يتعاهدون على التمسك بالنهج الأخلاقي النبوي في عرض الإسلام بصورة صحيحة، كما أمر الله – عز وجل – نبيه – عليه السلام – بقوله: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف: 108).

       ويؤكدون حاجتهم إلى تعاون يستند إلى كتاب الله – عز وجل – وسنة رسوله القائل: [تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وسنتي].

       إن الملتقى وهو يدرك مكانة العلماء في الإسلام، التي بوأهم إياها رب العالمين في قوله: (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِيْنَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِيْنَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (المجادلة:11) والتي بينها الرسول في قوله: (العلماء ورثة الأنبياء) فإنه يذكرهم بعظيم مسؤوليتهم وبما تأمله الأمة منهم لمواجهة الفرقة، ويهيب بهم أن يستعيدوا مسؤوليتهم الحضارية، وأن يضاعفوا جهودهم في الاهتمام بقضايا الأمة، وما يحقق آمالها ويزيل آلامها.

       ويطالبهم بالعمل على تحقيق حلم يلامس طيفه رغبة مليار ونصف المليار من المسلمين، يتطلعون أن يتحقق فيهم قول الله تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَّأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون:52).

       ويرى الملتقى أن صياغة المشروعات الجامعة والعمل على تحقيقها من أولى ما ينبغي أن يتداعى إليه علماء المسلمين، والنخب المثقفة التي تدرك واجبها في تجاوز المعوقات التي تعرض النسيج الإسلامي للتمزق، وتمنع تكامله، وتبعثر موارده.

       كما يرى أن مشروع الوحدة لايجوز التمادي في نسيانه، ولا التأخر في إنجازه، والشروع فيه هو واجب العلماء والمثقفين، من أجل تنشئة جيل مؤمن على التعاون والتضامن واجتماع الكلمة، فإن فساد ذات البين هي الحالقة.

       ويذكرهم بأنالوحدة الدينية والثقافة خطوة مهمة في طريق  الوحدة الشاملة، فما أحرى المسلمين أن يجتمعوا حول أصول الشريعة ومقاصد الرسالة.

       فأمتنا تواجه اليوم تحديات كبيرة، ينبغي أن يسعى العلماء لمواجهتها من خلال ما يقدمونه من حلول شرعية، تتغلب على مشكلة الفصل بين الدين والحياة، تلك الظاهرة الغربية البعيدة عن حضارتنا وثقافتنا، التي لاتعرف هذه الثنائية ولا تعترف بها.

       ولعل الجميع يعلم أن الهجمة الظالمة على الإسلام تمضي قدمًا في النيل من أسسه وتشوه صورته، وتعمد إلى خلط حقائقه الناصعة بسلوكيات خاطئة لبعض من ينتسبون إليه، وهو ما يحتم على العلماء والمثقفين التعريف بالإسلام ومشروعه الحضاري، الذي ينبغي أن يتعاون الجميع في صياغته وإنضاجه وتنفيذه.

       إن الأمة تعلق آمالاً كبيرة على جهود علمائها ومثقفيها في مواجهة المظاهر السلبية التي تطفو في مجتمعاتنا؛ كالإرهاب والانحلال الأخلاقي والفوضى الفكرية وغيرها.

       وإذ يعتز المشاركون في الملتقى بما خاطبهم به خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود. مما يسهم في إصلاح المجتمعات الإسلامية، ويوحد صفوف قادتها وعلمائها وشعوبها، فإنهم يتعاهدون على العمل المشترك وفق ما يلي:

      أولاً: الدعوة المستمرة إلى تحكيم كتاب الله وسنة رسوله في حياة المسلمين، والمتابعة لمنهاج السلف الصالح، ونشر ذلك بين المسلمين – حكامًا وشعوبًا – حتى يتجه المسلمون جميعًا نحو هدف واحد وغاية واحدة: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِمًا) (النساء: 65).

     ثانيًا: القيام بجهد مشترك لتحقيق وحدة الأمة الإسلامية وتضامنها، والدعوة إلى تنفيذ مشروعات التعاون والوحدة، مثل السوق الإسلامية المشتركة وغيرها مما قررته مؤتمرات القمة الإسلامية، وطالبت به رابطة العالم الإسلامي، مع التأكيد على أهمية التعاون والتكامل بين المؤسسات الحكومية والشعبية.

     ثالثـًا: الدراسة الجادة لأسباب الخلل في سلوك بعض الشباب وثقافتهم واهتماماتهم، والتعاون على تصحيح ذلك بالأسلوب الإسلامي الأمثل: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125).

     رابعًا: الانطلاق في خطاب الدعوة الإسلامية من مصادر الإسلام الصحيحة وأهدافه الإنسانية العالمية، وأسسه الخلقية، فرسالة الإسلام رسالة عالمية، جاءت رحمة للناس، وهي تتسم بالشمول والكمال، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) (سبأ: 28).

     خامسًا: التعاون والتنسيق في مجال الفتوى، وفي كل ما يهم المسلمين، مع ضرورة الرد إلى الكتاب والسنة والرجوع إلى أهل العلم الثقات عند الاختلاف، والتجرد للحق وإتباعه متى ظهر الدليل، (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (النساء:59).

       وإذ يشيد الملتقى بالجهود التي تبذلها المجامع الفقهية، ومجامع البحوث ومراكزه، وهيئات كبار العلماء ودور الفتوى في العالم الإسلامي لمعالجة المشكلات التي جدت في حياة المسلمين، فإنه يدعو رابطة العالم الإسلامي إلى التنسيق بين هذه المجامع والهيئات لتحقيق الأهداف المشتركة بينها من خلال إقامة هيئة عليا للتنسيق، والمبادرة في ذلك.

     سادسًا: العمل على تحقيق التواصل مع مختلف الشعوب والأمم ، والتركيز على القيم المشتركة في علاقات المسلمين بغيرهم، ووضع التعامل مع الآخرين في الإطار الشرعي الصحيح، مع توخي العدل في ذلك كله: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة:8).

       وأخيرًا فإن قيادة الأمة أمانة عظيمة أمام الله أولاً ثم أمام الناس، ومن هنا فإن العلماء المسلمين المجتمعين في رحاب البيت العتيق يتوجهون إلى قادة أمتهم، ويضعون أيديهم في أيديهم من أجل جمع كلمة المسلمين ووحدتهم في مواجهة التحديات وفتن العصر، ففي ذلك خلاص للأمة مما تكابده، فهي أمة سلام وسماحة، صانعة للحضارة والتقدم والرقي، حريصة على خير الناس جميعًا، عاملة على تحقيق العدالة والاستقرار والسلام في أرجاء المعمورة .

       وإذ يتعاهد المشاركون في الملتقى على الوفاء بما تضمنه هذا العهد، يبتهلون إلى الله – سبحانه وتعالى – أن يعينهم ويسدد أعمالهم، ويوفق قادتهم إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين.

       وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادي الثانية - رجب 1427هـ = يوليو - أغسطس 2006م ، العـدد : 6-7 ، السنـة : 30.